السبت، 7 مايو 2011

السيد نظيف والغسيل الوسخ بقلم : رشيد الكرّاي صحفي أوّل بإذاعة صفاقس


السيد نظيف والغسيل الوسخ
بقلم : رشيد الكرّاي صحفي أوّل بإذاعة صفاقس





من منّا لم يسمع بهذا الوافد الجديد على الساحة السياسية التونسية فرحات الراجحي . هو لا ينتمي إلى أحزاب ولم يمارس العمل السياسي قبل الثورة ولا يعرف له اسم رجل صاحب مواقف مبدئية حتى في ميدانه القضاء كما كان المختار اليحياوي وأحمد الرحموني ومع ذلك ارتفعت أسهمه هذه الأيام في بورصة المشهد السياسي التونسي بل وأصبح محرّكا ومصدرا لردود فعل سياسية يعيش الشارع على وقعها هذه الأيام بعد ما اصطلح على تسميته بالقنبلة التي فجّرها الراجحي في تصريحه لصحافي شاب متخرج حديثا من معهد الصحافة وعلوم الأخبار عبر شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك
انطلاقته مع السياسة ودواليبها ودهاليزها بدأت غداة الثورة بأيام قليلة ولم تدم أكثر من شهرين كانت كافية للسيد الراجحي لأن يصبح نجما سياسيا لامعا تماما كنجوم ستار أكاديمي الذين تصنعهم قناة تلفزية لمدة شهرين بعد تلقينهم فنون اللباس والظهور والتواصل مع الجمهور دون أن تكون المادة المقدمة بشرطه فنا أو غناء بمعنى الكلمة لتسوّقهم فيما بعد لجمهور الشباب العربي ويستقبل هكذا الفائز بمسابقة الستار استقبال الأبطال في وطنه ويصبح رمزا من رموز البلاد ورسولا للفن وأهله تتسابق شركات الاستشهار على الظفر بخدماته
لكن الفرق بين الراجحي وستار أكاديمي أن الأول لم تكن له قناة تلفزية تسوّق لتسريحة شعره وثيابه وتجمّل وجهه بل كان حضوره العرضي في مناسبتين في قناة تلفزية تونسية خاصة كافيا لأن يقوم بما قام به الجيش العرمرم لقناة ستار أكاديمي لأشهر عديدة ويروّج صورة له في الذهنيّة العامة قوامها استساغة خطاب رجل سياسي بلا سياسة ورجل أمني بلا حزم وكلام بسيط وسلس ينمّ على كثير من الصدق يدخل القلوب ويشدّ الألباب
والحقيقة أن هذا النوع من "الخطاب السياسي" يلقى الترحاب الكبير من الجمهور المتلقّي والتاريخ يثبت أن رجال السياسة الكبار هم في الأصل خطباء فطاحل يشدّون مستمعيهم بقطع النظر عن الصدق أو الحقيقة لأن السياسة لم ولن تكون يوما فنا من فنون الصدق لذلك يبقى الزعيم الحبيب بورقيبة مثلا مثالا راسخا في الذاكرة الجماعية للتونسيين خاصة من الذين عايشوا عصره لرجل السياسة المحنّك ورجل الدولة الداهية الذي يتقن التواصل مع جمهوره ويستحوذ على أسماعه ويمرّر طروحاته ومشاريعه دون هجيج وضوضاء . وكم من تونسي وأنا أحدهم يحفظ للزعيم الراحل أقوالا مأثورة ومواقف تاريخية على عكس خلفه الرئيس المخلوع الذي لم يخاطب الشعب طيلة ثلاث وعشرين سنة بجملة واحدة من لغته اليومية سوى تلك الأخيرة التي زعم فيها أنه فهمنا فأفهمناه بأنه إذا فهم شيئا عليه أن يرحل وهو ما فعل . من من أبناء هذا الشعب يستحضر كلاما للمخلوع دخل فعلا القلوب خارج تلك الصفحات التي يحبّرها له مستشاروه ويقضّي من أجلها الساعات الطوال في حفظها وإعادة قراءتها حتى لا يظهر في صورة المرتبك والجاهل بأبسط قواعد اللغة والصرف والنحو
وبالعودة إلى السيد الراجحي أسأل أنصاره ومريديه والذين صنعوا له موقعا في الفيسبوك تحت عنوان " الكلنا مع سي فرحات بش ينظف الداخلية " وله 28 ألف مساند والذين يستعدّون لبعث موقع آخر يطالب بأن يكون الراجحي رئيسا للجمهورية وكل الذين نزلوا إلى الشوارع بعد إذاعة تصريحه الحدث على الفيسبوك هل يمثّل فعلا فرحات الراجحي مشروعا سياسيا بذاته يتجاوز الأحزاب وأعلام المجتمع المدني والحراك الاجتماعي حتّى نحيطه بكل هذه الهالة السياسية والإعلامية ؟ هل كل ما قاله الراجحي بقطع النظر عن صحّته من عدمه وفي هذا التوقيت بالذات ينمّ عن رؤية سياسية واضحة وشعور مرهف بمتطلّبات المرحلة ؟ هل يحتمل المشهد السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد مزيدا من الإرباك والتشنّج وكل ذوي النوايا الحسنة من أبناء هذا الوطن يسعون جاهدين للوصول لاستحقاق 24 جويلية الذي تعمل جيوب الردّة على وئده وإفشاله ؟
الراجحي صرح لإذاعة خاصة يوم الخميس بأنه لم يختر الوقت لتصريحه المدوّي ولم تكن العملية محسوبة وهو كلام أعتبره من باب ربّ عذر أقبح من ذنب . فأي رجل سياسة هذا الذي يطلع على مواطنيه بعد شهرين من عزله عن منصبه ليفشي أسرار دولة رآى عقله الخالي من كل حنكة ودراية بالسياسة ونواميسها بأنها خطيرة وتهدد مصير البلاد والعباد ويوهم الجميع بنظرية المؤامرة التي تطبخ في الخفاء للالتفاف على إرادة الشعب ومصادرة أحلامه من ثورته المجيدة والتي يدّعي الراجحي أنه ذهب ضحية لها بعزله من وزارة الداخلية وهو الذي قبل بمنصب رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان برتبة وزير .
لماذا انتظر "السيد نظيف" كما يحلو لأنصاره أن يسمّوه كل هذا الوقت ليفشي بما أفشى به وفي هذا التوقيت بالذات ؟ ثم هل من حق رجل الدولة أن يكشف ما يعرفه من حقائق وهو يعلم أن عملية الكشف هذه ستسبّب ضررا بالغا للدولة بالمعنى المؤسساتي ويعرّض المجموعة الوطنية لأجواء من التوجس والريبة وانعدام الثقة وما ينجرّ عن ذلك من تحركات تركبها بعض التيارات الهدّامة لمزيد إيغال النصل في الجسد المريض ؟
كل هذه التساؤلات تدفعنا بالضرورة للتساؤل عن حقيقة نوايا السيد الراجحي فإن كان كما يظهر في الصورة بأنه " زوّالي" ونيّة ربّ العالمين" فهو لا يصلح للسياسة لأن السياسة غابة ذئاب لا مكان فيها للضّباع وإن كان كما أعتقد شخصيا ويعتقد الكثيرون بأن ما أقدم عليه هو عن دراية ورويّة وقصد فهو أيضا لا يصلح للسياسة لأن من لا يقدّر المصالح العليا للوطن ومن لا يقدم مصلحة الدولة على أي اعتبار آخر لا يمكن أن يكون في مستوى انتظارات من فوّضه لإدارة الشأن العام وهو الشعب والشعب وحده
موقع الصحفيين التونسيين بصفاقس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق